وبعدُ..
ألم يرهق البعد صمتي وصمتكِ؟
زلفى
حملنا غلال الزمان على راحة الصبرِ
ثم انتزعنا
من الشوق أسرارنا-
وانتظرنا
غريبيْنِ
نغرق في الشجوِ-
نروي لأحلامنا
كيف كنا حيارى
وحين وصلنا إلى ساحل التوقِ
أجرى اللهاث بأعماقنا
جدولينِ:
من الحبِ
واليأسِ
ثم انتبهنا
فكان انتظارٌ
وكان فراقْ
بعيداً
وخلف انهمار الصقيع
رأيت شتات نهارٍ
تمنّى عليه الضياءُ
بأن يستريحَ
فما كان من شجن الضوءِ
إلا بأن يسلب النور منهُ
ويمضي إلى الليلِ
يكتبُ
يقرأُ
آخر أسطورة من رهان البقاءِ
ويلقي إلى الضوءِ
بعضَ انعتاقْ
فكنتِ
وكانت مقاديرنا في الظلامِ
تحرّك ما يخطر الآنَ
بعد انفتاح السهادِ
على الروح
بعد ارتعاش الرؤى عبر ما قد تكوّنَ
في صدرنا
من حنينٍ
وفي روحنا
من أوار اشتياقْ
وقلتُ:
معاذ الهوى
أن يكون
لأحلامنا
ذكرياتٍ
لأرواحنا
غدوةً
وانطلاقْ
فإنا
وإن كان ما بيننا طيف ذكرى
فما سيكون بأعماقنا
بعد نهر تجشم أحلامنا
أمنياتٍ
تخطّ لنا نأمة الدربِ
إن أشرع الدرب من سيرنا
ما يلوحُ
إذا انهمر الدرب في الظلّ
ثم استكانت على صمتهِ
لفحات احتراقْ
وإيّاكِ أمضي
ودونكِ أغدو
وما بين حلم الطريقِ
ولفح الحريقِ
مواجدنا تستردّ الطلولَ
من الباقيات من الذكرياتِ
من الحلم
آن استعارت رؤاه المسافاتُ
فانهدّ في الصبر والأمنياتِ
يطوّف رؤياه فوق السحابِ
ويترك دون انتظارهِ
آيات وجدٍ
تملّي جوانبها الوجدُ
فارتدّ عنها الإيابُ
فعادت
كما بدأ البوحُ
طيفاً غريباً
يسائل في الصمتِ
في غربة الوقتِ
كيف انتهينا
وما زال فينا
بقايا حنينٍ
وبعض انتماءٍ
لما كان يحملنا في المواجدِ
لا عاشقينِ
ولكن أليفينِ
يسألنا البعد درباً
فيأبى الطريقُ
ونعدو
كما شاء خفق الفؤادِ
كما ذاع توق العناقْ؟
وكيف انتهينا
وكنا نظن بأنا التقينا
حبيبينِ
يوقظنا الوجدُ
إن أغفت الروح فينا
وأسرى بنا عبر أودائه البعدُ
هل غالنا الوعدُ
أم أرهق الصمت فينا
رؤانا التي حين كنّا
نظن بأنا
انتهينا
تعيد لنا الأمس أسوار حلمٍ
يسوّرنا بالحنينِ
ويوقظ فينا رؤانا الدّهاقْ؟
فكيفَ..
وهذي المواجد ما زال فيها
بقية وجدٍ
وبعضُ اشتياقْ؟
إذن..
هل لنا الآنَ
إلا الضياعْ
وإلا البعادُ
وإلا الفراقْ؟
أجيءُ..
وقلبي على النزف يصبرُ
أسألُ..
هل تقرئين حروف التمني على مقلتيّ
وهل تنهلينَ
بقايا الصبابة مما تحدّر عبر الجفونْ؟
تجيئين..
لا تقرئين سوى ما تهدج في مقلتيّ
ولا تنهلين سوى ما يؤرق توقَ الجفونْ
وأنتِ
على البعد آيات وصلٍ
يسافر في إثرها القلبُ
حيث تكونُ
ويمطر فيّ البعادُ
مسافاتِ توقٍ
فأمضي إليكِ
رضيّ الفؤادِ
أليف الشجونْ
أقولُ
وأنت على البعد بعدٌ
وأنت على الوجد وجدٌ
وحقكِ
لم يغرق النأي طيفكِ
فاستمطريني
سحائب غيثٍ
وكوني
لمن شاء في درب عمرك أن لا يكونَ
سوى صبوة أو حنينٍ
سوى لهفة أو ظنونْ
لعلي
إذا سافر الدرب عني
وأرخى لديك شراع السكونْ
أعود لأقرأ فيك الحياةَ
وأحيا لديك أسير العيونُ
فإني
ومذ ضاعت الدرب بيني وبينكِ
أسرفتَ في البحث عنكِ
وحين انتهيت إليكِ
تراءيت في رحلة البعد طيفاً
وما إن دعاني السرابُ
استبحت الخيالَ
وأشرعت روحي
إلى أن رأيتك
أطلالَ حلمٍ
وآثارَ عمرٍ
وواحةَ ماضٍ
تراءى
وحين حضنت رؤاهُ
أفقتُ
وما في ضلوعي
سوى بعض ما كانَ
أو بعض ما خلته سيكونْ