نص نثري\"
ها هو العمرُ يجرجر عرباتِ الأعوام..
مثقلةً بالحنينِ وآلام الغربة..
وها رصيدُ الهمومِ يكبرُ..
مع الأعوام..
بل مع الأيام..
بل مع الساعات
وها لحظاتُ الفرحِ الخاطف تذوب سريعاً..
كنيازك فرّت من مجراتها..
لتذوبَ على بواباتِ غلافِ الأرضِ..
* * *
حاملاً عبءَ ذكرياتي..
أقطعُ مفازةَ السنواتِ
على أمل اللقاءِ الذي لن يجيء
أسمعُ همسَ طفولتي
الموشاة بتراب الأزقةِ المنسية
أحاول أن أزرعَ
في ذاكرة أطفالي
شيئاً من وطنٍ لم يروه..
يحزنني أن أراهم لا يتفاعلونَ
مع محاولاتي..
إنهم ينتمونَ إلى عالمٍ آخر..
ووطنٍ آخر..
وذاكرةٍ أخرى..
يضحكون أحياناً لحديثي
عن الطفولةِ والبيتِ القديم..
وعالمٍ ليسَ فيه تلفزيون..
ولا أفلام كارتون..
* * *
ماذا بقيَ من الوطن..؟!
ماذا بقيَ من العمرِ
لنحمله إلى جناتٍ
مزروعةٍ بالقتلِ..؟!
مريعٌ ذلك الكابوسُ
الذي يخنقُ أحلامَ اليقظة
ويحيلها إلى مطارقَ
تهوي على بقايا النفسِ المنخورةِ
بالأمراضِ وأوجاع الغربة والذكريات..!!
مريعة صورةُ الوطنِ المذبوحِ
بسكاكين شتى
مرةً بسكاكين القتلة..
ومرةً بسكاكين الأخوة الأعداء..
ومراتٍ بطعناتِ الأحباب والأصدقاء..
يُرافق كلَّ ذلك
حقدٌ همجيٌّ يهبُ
من وراء المحيطاتِ..
لابساً ثيابَ الحضارةِ..
ومتشحاً بلباس التقدم والعلوم..!!
* * *
حاملاً بقيةَ أيامي القليلة القادمة..
أنوء بأثقالها..
ولا تضيءُ دربي
سوى ضحكات أطفالي المليئة بالأمل..
داعياً لهم
بعمرٍ لا تلوثه سياط الغربة..
ولا تطارده كلابُ السلطات المسعورة..!!
أغمض عينيَّ على صورةِ غدٍ لن أراه..
يقرأ فيه أطفالنا أشعارنا
كذكرياتٍ لعصورٍ كالحةٍ لا تُصدق..!
ويتساءلونَ بكل براءةٍ:
أيمكن أن يحدثَ ما حدث..؟!..
ويظنون أنها ليست أكثرَ
من مبالغاتِ الشعراء..!!