ماذا تبقَّى من بياضِ الصُّبحِ
كي تشدو على غصنِ الضِّياءْ؟!
ماذا تبقَّى من رفيفِ الحُلْمِ
كي تسمو بموتٍ
كاد يخنقهُ الخواءْ؟!
فوضى من الألوانِ
تُدمي مقلتيكَ
إذا تنفَّسكَ الصَّباحُ
وإنْ تقيَّأكَ المساءْ
***
قد كنتُ أرسمُ في رؤايَ الأزرقَ الصَّافي
سماءً من بحار بنفسجٍ
تطفو على وجهِ السَّحرْ
قد كنْتُ أرسمُهُ بحاراً
من سماواتٍ
تطرِّزُها عصافيرُ الدُّررْ
فإذا دماءُ الحاكمينَ بأمرهمْ
تغتالُ هذا اللَّونَ
ترسمُهُ شعاراً
كي تقرفصَ فوقَ أعناقِ البشرْ
***
قدْ كنْتُ أنسجُ من سوادِ الليلِ
موسيقى،
أسلسلُها على أوتارِ هذا القلبِ
أنشرُها جدائلَ للضُّحى الغافي على كتفينِ
يالنصاعةِ الإشراقِ!!
قيل: الهُدْبُ لملمَ رِعشةَ التَّسبيحِ
من محرابِ هذا الليلِ،
كي يتلو صلاةَ الوجدِ،
في شفتينِ حانيتينِ،
يالنضارةِ الإيراقِ...!!
قيلَ: اللّيلُ ليلُ الحبِّ والأشواقِ والتَّذكارِ
ليلٌ الشعرِ والإنشادِ
تحضنُهُ عروسُ الجنِّ
يا لتألُّقِ القبلاتِ..!!
قيلَ: سوادُهُ كنزٌ من الأسرارِ
يكشفُ سترَها ربٌّ من الأربابِ
يثوي في ضميرِ الشِّعرِ..
يالخسارةِ الأقوالِ!!
جفَّتْ في فيافي العهرِ
صارَ اللَّيلُ ليلَ حوافرِ العجلاتِ
كافرةً بمن ركبوا..
فموجُ الليلِ خنَّاسٌ وسمسارٌ وساديٌّ
ورملُ القلبِ يشكو سطوةَ الأمواجِ
صارَ سوادُهُ نفطاً
يُلوِّثُ كلَّ مَنْ باعوكِ ياليلى
بقيراطينِ من ذهبٍ
وقالُوا : نفطُنا ليلى
وقيسٌ رُمَّةٌ خرقاءُ
تقعي عندَ شيخِ النَّفطِ
يطلبُ كِسْرَةً جرداءَ
بلَّلها ندى كفَّيهِ
هل صارتْ زنابقُنا
جناحَ غُرابْ؟!
وصارَ النّفطُ لوناً واحداً أحداً
وربَّاً دونَهُ الأربابْ؟!
ألوذُ بحُمْرةِ الدُّفلى
أرى تموزَ ينزفُ في ضميرِ الأرضِ
شوقاً للَّذي يأتي
وألمحُ في نجيعِ العشقِ
صورةَ حبِّنا المطعونِ
من \"أروى\" إلى \"قانا\"
فأكتمُ صرخةً حرَّى
تمزٌُّقُ ما تبقَّى من رغيفِ اللّهِ في روحي،
تقرِّحُ فضلةً للضَّوءِ في عينيَّ
لم يعبثْ بها ظمئي
وأذوي في زوايا الحُلْمِ
مرتقباً شذا آذارَ
يالوضاعةِ الأحلامِ
حين يجيءُ محمولاً
على نعشينِ يخترقانِ ضوءَ الرُّوحِ والعينينِ:
نعشِ اللَّيلةِ الحمراءِ
أثقلها زنى الكلماتِ،
من غرناطة الثَّكلى إلى قانا
ونعشِ البُردةِ الحمراءِ
تغوي الثّورَ حينَ تصيرُ أسمالاً
تغطي عورةَ التاريخِ
يخرقُها.. ويحسبُ أنَّها اليرموكُ
يالعمايةِ الألوانِ...!!
كيفَ تصيرُ راياتُ الدَّمِ الغالي
ثيابَ نساءْ؟!
ويغدو صبحُنا الزَّاهي
شحوبَ مساءْ؟!
***
ألملمُ خضرةَ الصَّفصافِ في قلبي
وأجري كلَّ أنهارِ الهوى فيها
وأحضنُ شُعلةَ الإخصابِ
في عينينِ تختزنانِ تاريخي وأحلامي
وأتلو للمدى المرسومِ
فوقَ شقائقِ النُّعمانِ
قِصَّة ربِّنا في الخصبِ
يُبعَثُ من ضميرِ الأرضِ
يُلْبِسُ ثوبَهُ الإنسانْ
أرى تموزَ موشوماً على قلبي
وعشتار التي أهوى
تسلسلُ شعرَها اللَّيليَّ موسيقى
على جسدٍ ربيعيٍّ
تسبِّحُ عطرَهُ الألوانْ
أرى ليلى التي باعُوا
تناسَخُ زهرةً جذلى
وقيسَ الرُّمةَ الخَرْقَاءَ
يغدو فرحةَ الأغصانْ
وألوانَ الشُّحوبِ المُرِّ
تهْجُرُ دوحةَ الألوانْ
وأصحو من ضبابِ الحُلْمِ
مذبوحاً إلى نصفينِ!
نصفٍ ماتَ من غرناطةَ الثَّكلى إلى قانا
ونصفٍ ينزِفُ الدُّفلى
ويرقبُ نجمةَ الميلادِ
في عينيكِ يا ليلى
فهل تأتينَ قبل الموتِ
نبدأُ دورةً أخرى.؟!!