مِنْ أيِّ ذاكرةٍ سيرفعُ وجدُنا
نايَ القصيدةِ
كي تصبّي كَرْزَةً في روحنا عَطَشاً
ليبتدئ الكلامْ؟
مِنْ أيِّ ذاكرةٍ سيُطلقُ كَفُّنا لغةَ الموانئ
كي تؤانسَ شهقةَ الرّوحِ الأخيرةِ
والشَّواطئُ أطلقتْ كلَّ المنافي
والعشيَّةُ بدَّلتْ شكلَ السَّلامْ؟
مِنْ أيِّ ذاكرةٍ سأفرشُ وجهَ روحي
في سماءِ الكونِ
كي تغدو مفاتيحَ الشَّرائعِ
رحلةَ الآتين في نغمٍ على إيقاعِ
هذي الأرضِ
حينَ تُمَشّطُ الجسدَ الحنونَ وترتدي مني الغمامْ؟
مِنْ أيِّ ذاكرةٍ أضيءْ؟
وأنا على دمعِ السنين أصبُّ خمسينَ المواجعِ
رحلةً عطشى
فيرحلُ كلُّ عكازٍ إلى روحي
وينكسرُ الكلامْ
من أيِّ ذاكرةٍ سأُلبسُ غضنا وجهَ الرَّغائبِ
والمسافاتُ ارتحالٌ مِن ضلوعي
والفضاءُ مواتُ طَيْرٍ
ودّعتْ منديلَها بينَ المرايا والبكاءْ
هاتوا يدي كي تعلنَ الآنَ البدايةَ
كي تقولَ بأنني متوحدٌ
حتى مسافاتِ الغيابْ
هاتوا الأصابعَ قد رمَيْتُمْ سِفْرَها
هاتوا الَّذي قَدْ كانَ يجمعُنا
ويرفعنا رؤىً
هاتوا لنكسرَ ظِلَّنا صفصافةً
ملأى بذاكرةِ الأنين
هاتوا لتسقطَ فوقَ هذا الدَّمعِ
بوصلةُ السَّرابْ
هاتوا لنعلن أنّنا وجدٌ
وأنَّ سماءَنا قَدْ طيّرتْ شوقَ الحمامْ
من أيِّ ذاكرةٍ سأرفعُ راحتي
لتجيءَ يا طيفَ العشيّةِ هَمْسَةً
تُعْلي فضاءً نشْتهيهِ قبْلةً؟
لُميِّ إذَنْ هذا الصَّفيعَ
وجمِّعي أسماءَنا فوقَ المنافي
لُمِّي إذنْ دمعَ البنفسجِ والرُّؤى
حتَّى تنامَ الرّوحُ في جسدِ الحبيبةِ
والمراكبُ تشتهي دمعَ الرِّياحِ
تَلُمُّ ما أبقتْ مراثي القلبِ من عَتْمِ الغرامْ
من أيّ ذاكرةٍ سيرتفعُ الغناءُ مسافةً؟
والأرضُ ملأى بالتّوابيتِ التي
تمشي مع الرُّوحِ الحزينةِ قِبْلةً
كالمشهدِ البحريِّ يَدنو ثمَّ يرجعُ
ثم يَدنو ثمَّ يقذفُ كومةً مِنْ أعينٍ
هذا صديقُ الرّوحِ من غَنّيتُ فيه رحلةً
من عانقتْ فيه الموانئُ غربةً
من أيِّ جرحٍ قد طويتَ الأرضَ يا فرَج المساءْ
حتّى العشيةُ ترتدي جمراً
فيصفرُّ الهواءْ
حتى الدماءُ تصيرُ أُنثى
كي تعانقَها السماءْ
من أيِّ جرحٍ كي تنامَ مُمَلّحاً في روحِنا
من أيِّ جُرْحٍ كَيْ يؤاخينا العناءْ؟
هل تذكرُ الصَّوتَ الَّذي
راحتْ مواجعُه الشَّفيفةُ
ترتدي في روحنا لغةً
لنصرخَ ثمَّ نهبطَ كالدموعِ فُجاءةً
فوقَ التُّرابْ
هل تذكرُ السُّكْرَ الَّذي قد هدَّ فينا كلَّ عظمٍ
فانحنى وجهي على كفٍّ تآكلَ
هدّهُ العمرُ القِصيرُ
لينثني فيه العذابْ؟!
هل تذكرُ الآنَ الرَّصيفَ الأنثويّْ
مقهى يجمّعُنا على همِّ الصَّباحِ
ليهتدي همُّ المساءْ؟
هل تذكرُ الآنَ العشيَّةَ؟
تلكَ أمسيةٌ تُذكّرُنا بمنفى روحِنا
أمْ أنّها لغةٌ تغيّرَ وقتُها؟
تلكَ الأماسي ليلُها عينٌ
يداها فضَّةٌ
وأَنا على مينائها قوسُ السَّلامْ
هل تّذكُر الآنَ العشيّةَ؟
يومَ رُحْنا نجمعُ الأزهارَ أجوبةً وأَسئلةً
وتمزحُ
قَلْتُ هذي للَّتي سكنتْ هواءَ القَلْبِ أوردةً
وقلتْ:
هذي\"لميخو\" من تغرّبَ في الكتابةِ
من تنادى مرهقٌ حتى الحنانْ
كفّاه مِنْ دمعِ الأحبَّةِ وردةٌ
وسلامة الحبُّ المهرّبُ
فوقَ ذاكرةِ الرَّحيلْ
مَنْ كانَ يصرخ حُرْقَةً:
مُتوحدٌ بدمي
وهذا البحرُ أَصغرُ من تكوُّرِ دمعتي
متوحّدٌ كي أهتدي قمرَ البراري
فوقَ صدرِ الياسمينْ
مُتوحدٌ كي أرتدي لغةَ الفصولْ
هَلْ تذكرُ الآنَ العشيَّةَ؟
يومَ رحنا نفتحُ الآفاقَ أسئلةً
شراعاً يأخذُ الكفَّينِ في وَلَهٍ
غناءً
آهٍ على صوتٍ تعتَّقَ رحلةً
كي يوقظَ الآنّ العنَبْ
آهٍ مِنَ الصَّوتِ الَّذي قَدْ أيقظَ الرُّؤيا
لينكسرَ المنامْ
فَرَجَ العشيّةِ. كيفَ أدفنُ ما تشظَّى
من هزائمنا
شمالاً أو يميناً أو جنوبْ
والنَّارُ تأكلُ كلَّ يومٍ خاتماً
وتميتُ أسئلةَ القلوبْ
لم يبقَ إلاّ ما يشكّلُهُ الرمادُ
وما أَقَلاَّ
قد هدني وجعي، فنامَ الفجرُ
ليلاً ثمَّ ليلاً ثمَّ ويلا
أَمشي إلى روحي لأسندَ قامتي
بالأزرقِ الممتَدِّ من قلبي إلى قلبي
فيصبحُ حزنُنا وجداً وسَيْلا
قد أُغرِقُ السَّاعاتِ في سُحُبٍ
أشمُّ هواءَها
علِّي أَلُمُّ الزّيزفونَ على جراحٍ
قد دنا مِنْ وجهها ذكرُ الأحبةِ
أَو مرايا البرتقالْ
قد أُغرِقُ السَّاعاتِ كي أَمشي
إلى روحي رؤىً
كي أَرتدي هذا الهديلْ
ما مِنْ سماءٍ كي أناشدَ ظِلّها
ما من يدٍ لأصيرَ فوقَ زهورها
طفلاً ونحلا
لم يبقَ منّي غيرُ أيلولَ الكئيبِ
يمصُّ من روحِ الكلامِ حفيفَةُ
لم يبقَ منّي غيرُ أيلولَ الكئيبِ
يُحقِّقُ الرّؤيا على جمرِ التَّرقُّبِ والعتابْ
قد أُغرقُ الساعاتِ
ثمَ أُفَتّشُ الخطواتِ سبعاً
لا أرى
إلاّ وجوهَ الملحِ والسَّفرِ الطّويلْ
هَلْ تذكرُ الأحبابَ في أحلامهم
\"ميخو\" على دربِ الصّقيعِ
يُلَملمُ الّذكرى مدىً
فيرتّبُ الأوقاتِ داليةً
تشكّلُ وجهَها لغةُ الأحبَّةِ والعيونْ
فيشُمُّ في ذِكْراهمُ
دربَ الإله، وقهوةَ الصّبحِ المندَّى
فوقَ داليةِ الرَّصيفْ
ويشمُّ في ذِكْراهمُ
روحَ الأمومةِ والنَّخيلْ
يحدو على الأسماءِ ليلاً
كي تراجعَ شكلَها عشقاً وطينْ
أوَّاهُ يا فرَج العشيّةِ.
كيف أحضنُ ساعةَ العمرِ الهزيلِ
وأنحني فوقَ المواجعِ
لا يعانقني الجنونْ
أوّاهُ يا فرجَ العشيّةِ
كيفَ أَسألُها على البُعْدِ الشَّآمْ
فَرَجَ العشيّةِ مَنْ تريدُ الآنَ أن أحكي حكاياهم
وأسردُ لحظةَ البوحِ الشَّفيفْ
عن \"عاصم\" المهجورِ في وجعِ الغروبِ؟
كفَّاهُ من دمعِ الأحبَّةِ رحلةٌ
وحنينُه المسمرُّ من نومِ الخمورِ
وساعةِ الرُؤيا وذاكرةِ الدّروبْ
عن \"عاصم\" المسكونِ وجداً وارتحالاً
فوقَ أسماء السّنين؟
من ضَلَّ في الصَّحراءِ تيهاً
يرتدي حلمَ المساءِ على
صبيبٍ مِنْ عَرَقْ
لا يدركُ الأسماءَ من جمر النهارِ
لا يرتدي غيرَ الغرقْ
قد زّوِّغَتْ أبصارُه
حتى تباعدَ كالورقْ
وأنا هنا بين الثلوجِ
وبينَ هذا الحرِّ
يقتلني الحَبَقْ
وجهُ السؤالِ ملاذُنا
والكلُّ تَجمعُه الحُرَقْ
قد هَدَّني أنَّ اللِّحاظَ تحيطني
حتى ليشنُقَني الأرَقْ
قد ثُقِّبتْ روحي وأنتمْ وجدُها
كاللَّيلِ يفضحُه العبقْ
فاغفرْ نواحَ الزَّعترِ البرّي في أمدائِهِ
قد هدَّهُ طولُ الشَّفَقْ