ولم تكنِ المدينةُ في دمي..
لو لم تكنْ في الماءِ..
كنتُ أرى إلى عينيكَ..
حينَ تغيبُ كي أجدَ السماءْ..
ولا إسراءَ فيكَ ولا..
ولا معراجَ نحوكَ لا..
ولا أرضونَ تذكرُ خطوكَ الماضي..
وتنسى فتنةَ الأشياءِ..
مفتوناً بعريكَ أو ثيابكَ..
أو أصابعك التي تدنو من الكلماتِ
أو تدنو من الألوانِ..
أو ترقى إليّ كأنها في
عتبةِ الألوانِ
تقرأُ أنجماً حيرى
تخاتلني وتذهبُ في الهباءِ
كأنها لغةُ الهباءِ
كأنني أفضي إليك بهذهِ الأسرارِ
أو أنّ النهارَ يمرّ فيكَ إليّ
يتلو ما يشاءُ من المزامير القريبة
والمزامير البعيدة.. عندما أبصرت
وجهي يشتهيكَ.. وتشتهيكَ يداي
والقلبُ الذي عذّبتهُ في الصمت.
والصمتُ الذي جرّحته في الصوتِ
والصوتُ الذي أرديتهُ عند المساءِ
وشمسكَ الأولى التي صارتْ رماد العمر،
أو عادتْ حقولك من فضاءِ الجمرِ..
عدتُ أنا لأقتحمَ القلاعَ، وأهدمَ الأسوارَ
لكنْ أينَ أنتَ من النوافذِ والورودِ،
من الفجيعةِ والحصارِ
من النبيذ المرّ في ضوءِ الجرار..
ومن مدائنَ كلّها بيروتُ
دوماً لو تعيشُ لكي نموتَ..
وأنتِ تحتفلينَ بالموتى وبالأسفارِ..
سافرتِ العواصمُ فيكِ..
وارتحلتْ عيونك.. كي أرى رؤيا..
رأيتُ.. ولستُ أذكرُ ما رأيتُ..
كأنما كنتِ..
تزجّينَ الحجارةَ في فمي..
أو تردمينَ الروحَ بالحسراتِ..
كنتِ كأنما نهرُ الحياةِ
يشجني نصفين..
يفرقُ قامتي في الريحِ
والزمنِ الفسيحِ
إذا تعمّر أو تهدّمَ
في رحيقِ البوحِ
كنتُ أبوحُ كيفَ أشاءُ
كي لا تنصتي رؤياكِ
أُنْصِتُ فيك دوماً
كي أجدّد في صداكِ وفي هواكِ
وكي أعودَ إلى خطاكِ..
إلى ضفائرَ من وحولِ الأمس والنسيانِ..
هلْ ننسى دمارَ الوقتِ والأشجارِ
خفقَ الطير في شفقِ البراري
أوْ تصادُمَ جُثّتينا في الأعاصير التي
تأتي على الأغصانِ
قلتُ لأنني أتوجّسُ المعنى..
وآكلُ ما تيسرّ من هواءِ الذكرياتِ
أجيءُ في ذهبِ الحنين إلى الحياةِ..
أجيءُ فيكِ كما أموتُ..
كما تسيّجنى المنافي والحكايا
أو يكبلني السكوتُ
أجيءُ تقرعُ وحدتي الأبوابُ
أغلقها وأغلق جثتي قسراً
لأمضي صوب أحلامي
إلى الأحزان والملكوتْ..