بِيْنِي... سَأَلْتُكِ أَنْ تَبِينِي
كَسَّرْتُ صَلْصَالَ الفؤادِ على اختلاجاتِ الظُّنونِ
غَلَّقْتُ أَبْوابي، وعَمَّيْتُ الدُّروبَ إلى حَنيني
تأتينَ أوْ لا، لم يعدْ هَمّاً، وإنّي مُفْرَدٌ منذُ الوِلادهْ
منذ انفجارِ البَيْضَةِ الأولى عن الولدِ الجميلْ
وأنا تُنَازِعُني المَغَاورُ والمَخَافِرُ،
أَشْتَهي زَمَناً يُداهمني بِمَنْشُورِ البَراءَةِ والأمانْ
ماذا تَبَقَّى في الدِّنانْ؟
أَرَشْفَةٌ أَمْ رَشْفتانِ
والرُّوحُ تغرقُ في النِّشيجِ،
وتفتحُ الأبوابَ للآتي فَضاءً... من دُخانْ
سَقَطَتْ قِلاعٌ، وانطوى عَلَمٌ، وهاجرتِ البلادُ من البلادْ
هذي مَفاتيحي...
فمنْ يستقبلُ الولدَ المُغَرَّرَ أَوْ يدسُّ إليه كأساً...
ثمَّ ينكسرُ الفؤادْ
- أنتَ الذي أمعنتَ في البُعْدِ المُمِضِّ وفي التَّجنّي
وسَرَقْتَني، وخنقتَ بعضي، واختلستَ ضِياءَ عَيني.
- بل أنتَ أغويتَ البنفسجَ فازدهَى عَجَباً، وعافتهُ السَّواقي
خمسونَ عاماً في الفراغِ ولا أريجَ ولا تُرابْ
خسمونَ تسرقُهُ الغوايةُ ثمَّ يوقظُهُ السَّرابْ
وَطَنٌ ولا وطنٌ، وراياتٌ ترفُّ ولا نجومْ
كُسِرَتْ سَواريها، وألقاها الجنودُ على التُّخومْ
ماذا تَبقَّى من بقايا ذلك الولدِ المُقَسَّمِ بينَ أحلامِ المدائنْ
لم يبقَ ما أخشى عليهِ قد تسرّبَ خافقي مزقاً
وضاعَ الكلُّ مِنّي
فَلْيبْكِني بَعْضِي،
وبَعْضِي يَرْقَأُ الدَّمْعُ الهتونَ على تُرابي
ماتتْ أنا شيدي العِذابُ وماوصلتُ إلى صِحَابي
الدَّرْبُ وَعْرُ المُرْتَقى والسَّالكونَ إلى العِتابِ
يَتَهافتونَ إلى سَنَاكَ، وما بَدَوْتَ، ولا إشارهْ
لكنَّها ظُلَمٌ على ظُلمٍ، وهذا الوقتُ قد أَعْمَى المنارهْ
ياسيّدي إنّي إليكَ،
ولستُ من هذا القطيعْ
أَمْ أخطأتْ دربي إليكَ،
ولا شَفِيعَ إلى الشَّفيعْ
ياسَيّدَ العشّاقِ أَمْهِلْني إلى أَجَلٍ مُسَمَّى أوْ مُعَمَّى
عَلّي أراكَ تهلُّ في صدرٍ من الصّلصالِ والوجَعِ المُدَمَّى
إنّي على الأعتابِ مُذْ أَبَدٍ
فهلْ يَرْضَى رِضَاكْ
ياسيّدي...
إنّي أراكَ
ولا أراكَ
فهلْ أراكْ...؟؟
***
كُونِي.. سألتُكِ أَنْ تكُوني
حُمَّى وعاشقةً وسِرّاً في عُيوني
أوْ أقْبِلي جُرْحاً على صَدري ونافذةَ انتصارْ
عَلِّي أجوزُ من الحصارِ إلى فضاءاتِ النهارْ.
عَبَقَتْ أريجاً، فانتشَى، الكونُ الخجولُ، ومالَ سُكْرا
وأفاقَ ذاكَ المارقُ الصُّعلوكُ في صَدريْ، وأَعْرَى
سُرَرَ النُّخَيْلاتِ الصّغارِ مُهَتّكِاً سِتْراً فسِتْرا
جالَتْ أَكُفِّي في سَرائِرِها، وتُجْفِلُ ، أَوْ تَردُّ عليَّ صَدْرا
سِرْبُ القَطا يَزْقُو، وينهضُ في يَدِيْ جَمْراً وجَمْرا
هي سَرْوَةُ السَّرواتِ، بلْ هي لَوزتي وَجْداً وعِطْرا
من أَينَ يبتدئُ الجَنَى والمائساتُ عليه تَتْرَى؟
ضاءتْ عيونُ اللّهِ في وَجْدِي فَضاءَ الكَوْنُ شِعْرا
وأفاقَ في وَجَعِ القصيدةِ شاعرٌ قد ماتَ دَهْرا
ضاعَتْ عيوني في الزّحامِ فلا الوجوهُ هي الوُجوهُ
كَلاَّ.. ولا الجدرانُ تُفْصِحُ عن هَوايَ لها،
ولا أَلْقُ الحَوارِي
نارِنْجَةٌ عَمِيَتْ هناكَ من النّحيبْ
أَقْعتْ على سيفِ الرّصيفِ تُلَمْلِمُ الأزهارَ ذاهلةً،
ويأخذُها النُّواحْ
لا الإلْفُ يرجعُ من عمايَتِهِ ولا وجعُ الوجيبْ
ماتَتْ يداي على قلوبِ الأصدقاءْ
لكنَّ أبوابَ الأحبَّةِ مُوصَداتٌ،
لم تُلِنْ أقفالَها في وجهيَ المحروقِ،
وانفجرَ البكاءْ
هتفتْ من الجدرانِ نافذةٌ...
تَأَكَلَّهَا بلاءُ الجوعِ والخوفُ المروِّعُ فاسترابتْ
- يا أيُّها الولدُ الغريبْ
إنّي أخافُ عليكَ غائلةَ التَّوحُّدِ وانكساراتِ الدروبْ
إنّي..
وداخَلَها التَّوَجُّسُ، أَسْدَلَتْ أجفانَ وحشتِها
وماتتْ في الظَّلامْ.
حَطَّتْ على صدري المُتَعْتَعِ بُومةٌ
كانتْ توسوسُ في هدوءٍ:
إنّه زمنُ التَّفتّحِ فانفتحْ للقادمينْ
لا فرق مابينَ انفتاحِ أوْ فُتوحْ
كُلُّ البيارقِ تنحني
وتَطيشُ أوسمةُ البلادِ على مَواطِئهم، وتَسْتَخْذِي النُّجومْ
زورٌ هو التَّاريخُ....
لا فَتْحٌ.. ولا صَوتُ الأَذَانِ يرنُّ في أعلى التُّخومْ
كَلاّ... ولم يَخْتَلْ على الآفاقِ خَيَّالٌ، ولم تَصْهَلْ خُيولْ
لم يَبْكِ \"قيسٌ\" حُبَّهُ يوماً ولا لثمَ الطُّلولْ
و \"أبو الفوارسِ\" كِذْبَةٌ كُبْرَى
يُردِّدُها المُغَنّي في المقاهِي السَّاهِرَهْ
ماكانَ يوماً \"عَنْتَرٌ\" أو \"شَنْفَرى\"
ماكنتَ شيئاً...
إنّك ابنُ اليومِ...
فاخلعْ قلبَكَ المحشوَّ بالسمِّ القديمِ وتُرَّهاتِ السّالفينْ
وَلْتَنْخَلِعْ من أَسْرِ ماضيكَ الملوّثِ بالمخاوفِ والحروبْ
إفْتَحْ لأسرابِ الحمامِ فإنّه زمنُ السّلامْ.
أَطْرَقتُ مَحْموماً أُلملمُ ماتَبَقَّى مِنْ قَدِيمي
أَخفيتُ قُرآني وسَيفي واشْتَمَلْتُ على كُلُومي
وكَفأْتُ كأسِي، وانطلقتُ مُصَعِّداً
مُتدثّراً بالوجدِ والأحبابِ والحُمَّى ولأْلاءِ النُّجومِ
رمْلٌ على رملٍ، ولألاءٌ وسُمٌّ في الهواءْ
وَمَفَاوِزٌ تقتاتُ أقدامي ولا نخلٌ وماءْ
لا وقتَ للتّذكارِ والأشعارِ أَوْ رَجْعِ النّداءْ
-ثَكلَتْكَ أُمُّكَ...
هل ستلقَى الكونَ صُعلوكاً وحيداً...؟...
ليسَ ذا زمنَ الألوهةِ أَوْ صعودَ الأنبياءْ
- إنّي أَرى زَمَني الأكيدَ مُضرِّجاً كَبِدَ السماءْ
***
إنّي سألتُكِ أَنْ تَبِيني
لا وقتَ للعشقِ المهوِّمِ في فضاءِ الياسمينْ
هل يعشقُ العبدُ المُدّجَّنُ بالسلامْ؟
هل يُنْشِدُ الأشعارَ مَنْفِيٌّ بأجنحةِ الَحمامْ؟
لا ترقصُ الأشعارُ إلاّ في فضاءٍ من جُنون
خمسونَ أحملُ خَشْبتي وقُروحَ أجفاني ودِيْنِي
بَلْ... منذُ بَدْءِ الخَلْقِ تحملني السَّواري في فضاءِ الرِّقِّ...
مكسورَ اليقين
- هَلْ تَرْتَقي عرشَ الألوهةِ في فضاءٍ من ظنون؟!
-إني سَأَلْتُكِ أَنْ تَبِينِي
لا وقتَ للعشّاقِ في ليلٍ،
يطاولُ نطفةَ الخلاّقِ في صَدري
ويقتلعُ المنائرْ
ويهزُّ أَسْواريْ وأَشْعاري وأعوادَ المنابرْ
لا وقتَ للعِشْقَ المبرِّحِ والتَدَلُّهِ والجنونِ
ياسادةَ الكونِ الجديدْ
شُدُّوا وثاقَ العبدِ لا يُفْلِتْكُمُ
شُدّوا النوافذَ والحَواري، بَلْ جذورَ البيلسانْ
قَدْ يَعشقُ العبدُ الحرون
قد يعرفُ الدربَ المُعَمَّى ،
أو يجوزُ إلى مَضيقِ الآدَمِيَّهْ
شُدُّوا فقدْ يستيقظُ الإنسانُ فيهْ
شُدّوا..
فهذا العبدُ -في الماضي- أَضَاءَ الكونَ بالحُمَّى...
ونارِ الأبجديّهْ
فاضَتْ على الدُّنيا معارِفُهُ وكانَ اللهُ فيهْ
\"بَعْلاً\" و \"إنْلِيلاً\" و\"إِيلاً\"،
واحداً أحداً سويّا
كانتْ مراكبهُ تجوبُ الكونَ، يخضلُّ الزّمانْ
يَسري، ويَسري في مراكبهِ بَهِيُّ الأُرجوانْ
هُوَ خالقُ الخمرِ الكريمةِ والمواجِدِ والسهرْ
هو ساكبُ الخمرِ الألوهةِ في مَغَاليقِ البشرْ
هو سيّدُ الأكوانَ -كانَ- النُّطْفَةُ الأُولى،
وربُّ الطّينِ يعجنُهُ بأسرارِ السماءْ
شُدّوا...
فمازالتْ بذورُ النارِ تَلْظَى في ظُنونهْ
مازالَ مفتاحُ المَعَارِفِ في يَمينهْ
مازال هذا العبدُ يَعْلَمُ ...
أنَّ ذاكَ الخالقَ المخلوقَ فَيْضٌ في عيونهْ.
***
مَلَّتْ تَفاصيلُ القصيدةِ واشتكَى الحرفُ المروَّعُ...
في منافي الجملةِ الثَّكْلَى وأنساقِ النّحيبْ
مَلَّتْ تضاريسُ الحروفِ، وصوتُها يمضي مَعَ الأنغامِ...
يطرقُ مُلْحِفاً بابَ الحبيبْ
هذا مِنَ الهَزَجِ الحزينِ وذا من الرّجزِ الطروبْ
لكنَّهُ مُتَمَنِّعٌ لا يستجيبْ
فمتى يَقَرُّ بصدرِها هذا الوجيبْ
ومتى يُجيبُ المُسْتَريبْ؟؟
إنّي على قلقٍ أُسارِرُ آخرَ الجُزُرِ العصيّةِ في الضّميرِ
إنّي وأنْتِ على شَفَا نَهْرٍ فهلْ غَرِقَتْ طُيوري
إنّي على قَلقٍ أُدندِنُ آخرَ اللّحنِ القصيرِ
إنْ كان طِيني قد أضاعَ دَمي، فوا خَجَلَ المصيرِ
طِيري طُيورَ الرّوحِ من عَدَمٍ إلى عدمٍ... وطِيري
طِيري...
فهذا خَافِقِي مِزَقٌ وأنغامي نَذِيري
إنّي سألتُكِ أنْ تطيري
طِيري إلى أبَدِ المَصيرِ
أَوْ حَلِّقي بفضائِكَ الدَّهريِّ
وانْتَظِري... نُشُورِي..